زهره حبيب
قصة أبطال لا يقهرون/ ساحة المدرسة
كان الطقس جميلاً، والشمس تسطع فوق ساحة المدرسة الخاصة بأطفال متلازمة داون. وقف مجموعة من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثانية عشرة، يلعبون الكرة وهم يضحكون بسعادة.
كانوا جميعاً من الأطفال المصابين بمتلازمة داون، تجمعهم المحبة وروح الفريق.
قال سامح بحماسة:
ما رأيكم أن نؤسس فريقاً حقيقيّاً لكرة القدم؟ فريقنا نحن!
أحمد وهو يصفق فرحاً:
فكرة رائعة! نرتدي زيّاً موحّداً، ونشارك في بطولة المدرسة!
قال حسن وهو ينظر إلى الأرض بتردّد:
لكن… من سيوافق على تدريبنا؟ الجميع يظنّ أنّنا لا نفهم جيداً.

قصة أبطال لا يُقهرون/ الأبواب الموصدة
قرر الأطفال أن يبحثوا عن مدرب، وذهبوا إلى عدة أندية ومدارس، لكن الردود كانت قاسية أحياناً، ومحزنة في أحيان أخرى.
قال لهم أحد المدربين ببرود:
آسف، لا يمكنني تدريبكم… كرة القدم تحتاج إلى ذكاء وخطط سريعة.
رد أحمد بحزن:
ولكننا نتدرّب كل يوم، ونتحسّن بسرعة…
أجابه المدرب وهو يهز رأسه:
لن تفوزوا بأي شيء… هذا مضيعة للوقت.
عاد الأطفال إلى الساحة حزينين، ولكن في قلوبهم أمل صغير لم ينطفئ.
قصة أبطال لا يُقهرون/ لقاء غير متوقّع

في أحد الأيام، وبينما كان الأطفال يتدرّبون بأنفسهم، كان هناك رجل يراقبهم من بعيد. كان طويل القامة، يحمل عصا بسبب إصابة قديمة في قدمه.
كان ذلك هو “كابتن نادر”، بطل كرة القدم السابق، الذي اعتزل اللعب بعد إصابته في مباراة دولية.
اقترب منهم بابتسامة دافئة قائلاً.
أرى أنكم تلعبون بحماسة كبيرة! ما الحكاية؟
أجابه حسن متردداً
نريد أن نصبح فريقاً حقيقيّاً، ولكن لا أحد يقبل أن يدربنا…
نظر إليهم كابتن نادر بإعجاب:
هل أنتم مستعدون للعمل الجاد؟
صاح الجميع بحماس:
نعم! نعم!
وقف كابتن نادر وقال بحزم:
إذاً… سأكون مدربكم!
اقرأ ايضا: قصة لغز الأسئلة المسروقة
قصة أبطال لا يُقهرون/ بداية التحدي
بدأ كابتن نادر التدريب، وكان في البداية متفاجئاً من الصعوبات.
كان بعض الأطفال يجدون صعوبة في تذكّر التعليمات، بينما آخرون يخافون من الكرة أو يترددون في التمرير، وهناك من يشتت انتباهه بسهولة في منتصف التمرين.

بدأ كابتن نادر يتكلم مع نفسه قائلاً:
هذه مهمة ليست سهلة… ولكنها تستحق كل الجهد.
في الأيام الأولى من التدريب، كان كابتن نادر يقف وسط الملعب وهو ينظر إلى الفريق بعينين مليئتين بالحيرة والقلق. لم يكن يتوقّع أن تكون المهمة بهذا التعقيد.
حاول أن يشرح تمريناً بسيطاً، لكنه لاحظ أن بعض الأطفال ينسون الخطوات بسرعة، وآخرين يتوقفون فجأة وسط اللعب كأنهم فقدوا التركيز.
شعر وكأن الجدار بينه وبينهم أكبر من مجرد كرة وتمرين، بل جدار من الاختلافات التي لم يعتد التعامل معها.
حدّث نفسه وهو يسير على العشب الأخضر بخطوات بطيئة:
“هل أخطأت حين وعدتهم؟ هل كنت متهوراً؟”
ثم تذكّر نظراتهم المتحمّسة، وعيونهم اللامعة حين وافق على تدريبهم، فشعر بمزيج غريب من الضعف والإصرار.
أراد أن ينجح، لا من أجل مجده القديم، بل من أجلهم… من أجل أن يشعروا بأنهم يستحقون فرصة.
وبين كل تمرين وآخر، كان قلبه يتمزّق قليلاً… لكنه في كل مرة، كان يقرّر أن يقاوم الإحباط بالإبداع، وأن يبحث عن طريق جديد يصل به إليهم، ولو كلّفه الأمر تغيير كل ما تعلّمه في حياته الرياضية.
اقرأ ايضا: قصة رسائل من المجهول
البداية الصعبة

أما الأطفال، فكانت البداية صعبة على قلوبهم الصغيرة.
سامح شعر بالإحباط حين أخطأ في التمرين الأول، وظنّ أن المدرب سيغضب منه كما فعل الآخرون.
رامي اختبأ خلف زملائه عندما ضحك أحدهم على حركته الغريبة في اللعب.
أسامة جلس على الأرض وهو يقول:
“ربما هم على حق… لسنا جيدين بما يكفي.”
كانت وجوههم تمتلئ بالحزن، عيونهم تبحث عن الأمل في ملامح كابتن نادر. كانوا يخافون أن يُتْركوا مرة أخرى، أن يتحوّل الحلم الجميل إلى سراب.
ترددت في نفوسهم أسئلة صغيرة لكنها مؤلمة:
“هل نحن فعلاً مختلفون؟ هل سنفشل من جديد؟”
لكن رغم ذلك، كان هناك خيط رفيع من الأمل يشدّهم نحو الاستمرار، خيط لا يُرى، لكنه يُحَس… كان في كل ابتسامة مشجعة من المدرب، وفي كل تصفيقة فرح من زميل نجح في التمرين.
بعد أن قرر كابتن نادر الاستعانة بأساليب جديدة فقد بدأ بتكرّار التعليمات بهدوء وبطريقة مرئية، كما استخدم الألوان والإشارات لتسهيل الفهم، وأعطى كل طفل دوراً يناسب قدراته.
بدأ التقدّم يظهر ببطء، وتحسّن الأطفال يوماً بعد يوم.
قال سامح مبتسماً بعد تمريرة ناجحة:
أرأيت يا كابتن؟ أنا أقدر!
شجعهم الكابتن نادر بفخر:
قلت لكم أنكم أبطال!

بدأ الفريق بمواجهة صعوبات أخرى، سخر بعض الطلاب في المدرسة من الفريق، ولقّبوهم “بفريق الأحلام الكسولة”.
بدأت عينا رامي تتلألأ بالدموع:
لماذا يضحكون علينا؟ نحن نحاول بجد!
ربت كابتن نادر على كتفه:
الناس يسخرون من ما لا يفهمونه. سنُثبت لهم من نكون! سأسمي فريقنا فريق الأبطال و سننجح بإذن الله.
كما واجه المدرب اعتراضاً وتخوفاً من إدارة المدرسة التي ظنّت أن هذا المشروع غير مجدٍ وأنه في حال فشله سيؤثر على الأولاد نفسياً.
قال المدير متسائلاً :
هل تعتقد حقاً أن هؤلاء الأطفال سيحققون شيئاً في الملعب؟
أجابه كابتن نادر بثقة:
بل أعتقد أنهم سيعلّمون الجميع درساً في العزيمة!
قصة أبطال لا يُقهرون/ المباراة المنتظرة
وأخيراً، جاء يوم المباراة. دخل الأطفال إلى الملعب بزيهم الموحد، وهم متحمسون ومرتبكون في الوقت ذاته.
انطلقت صافرة الحكم، وبدأ الشوط الأول… كانت القلوب تخفق بقوّة، والأنفاس محبوسة .
دخل “فريق الأبطال” إلى أرض الملعب بخطوات مترددة، ووجوههم ممتزجة بين الحماسة والقلق. نظرات الجمهور كانت متباينة… بعضهم يبتسم تشجيعاً، وآخرون يهمسون ساخرين، لا يؤمنون أن الفريق سيصمد لأكثر من دقائق.
رُكلت الكرة الأولى… وبدأت المباراة!
في الدقائق الأولى، بدا الارتباك واضحاً على اللاعبين.
سامح نسي مركزه، وركض خلف الكرة دون تنسيق، رامي توقف فجأة بعدما سمع أحد المتفرجين يضحك، فتعثّر وسقط. أما حسن، فكان يقف ساكناً، يتردد بين التمرير والتسديد.
كابتن نادر وقف على الخط الجانبي، يصيح ويشجّع، لكن قلبه كان يرتجف أكثر منهم. كان يراقب فريقه وهو يتخبّط، لكنه لم يفقد الأمل.
وفي منتصف الشوط، حدث شيء صغير… لكنه غيّر كل شيء.
أحمد التقط تمريرة من حسن، وركض بها بثبات، ثم مرّرها بدقة إلى وسام، الذي لم يتردّد هذه المرة، وسدّد نحو المرمى.
لم تدخل الكرة… لكنها لامست القائم.
عندها، دوّى صوت التصفيق من الجمهور، ليس بسبب الهدف، بل لأنهم رأوا محاولة حقيقية… وتناغماً حقيقياً.
شعر الأطفال فجأة بأنهم يُسمَعون… يُرَون… يُحترمون.

تحسّن الأداء. أصبح التمرير أكثر تنظيماً، وبدأت الوجوه تعكس الثقة بدل الحيرة.
المعلّق الرياضي يصرخ منبهراً بفريق الأبطال:
يا له من فريق! لا يهمهم السقوط، يعودون ويقاتلون!
انتهى الشوط الأول بلا أهداف… لكن بالنسبة لهم، كانت النتيجة نقطة انتصار داخل كل قلب.
وعندما عادوا إلى الاستراحة، ابتسم كابتن نادر وقال:
“هل رأيتم ذلك؟! أنتم لا تلعبون فقط… أنتم تقاتلون!”
كان أداء فريق الأبطال في الشوط الثاني أكثر أنضباطاً، شعر الأطفال انهم كسروا حاجز الخوف.
سجّل الفريق هدفاً في اللحظات الأخيرة، وانتهت المباراة بالتعادل، لكن الجمهور وقف مصفقاً بحرارة.
ضحك الأطفال، وتبادلوا النظرات… لم يعودوا مجرد فريق، بل أصبحوا قصة تكتب نفسها بأقدام صغيرة وأحلام كبيرة.
أحد المدربين القدامى نظر بدهشة:
كنت مخطئاً… هؤلاء ليسوا ضعفاء، بل أقوياء القلوب.
نظر كابتن نادر إلى الفريق بفخر:
أنتم لم تفوزوا بالمباراة… لكنكم فزتم بقلوب الجميع! ولا تنسوا هذه هي مباراتنا الاولى أمامنا طريق طويل حتى نصل للكأس، لكنني واثق من قوتكم وعزيمتكم.
الأطفال (بصوت واحد):
نحن نقدر! نحن أبطال لا يُقهرون!

العبرة من القصة:
ليس من الضروري أن تكون كالمعتاد لتكون رائعاً. بالإرادة والإصرار والإيمان بالنفس، يمكن تحويل المستحيل إلى حقيقة. متلازمة داون لا تعني ضعفاً، بل تعني قلباً قويّاً، وروحاً عظيمة، وأحلاماً تستحق أن تُحتضن.

يمكنكم متابعة قناتنا على تطبيق الواتس من هنا
تابعونا على صفحتنا في فيسبوك من هنا