هل حقا هناك أمة لا تعرف الهزيمة؟
كل الأمم تمر بفترات قوة وعزة وازدهار، تعقبها فترات ضعف، هذا هو حال الأمم منذ بدء الخليقة، وصدق الله عز وجل” وتلك الأيام نداولها بين الناس”.
أمة لا تعرف الهزيمة وفترة عصيبة
اليوم نفتح كتاب التاريخ الإسلامي ونقلب من صفحاته المنظومة بالدر، ونقف عند فترة عانت فيها الأمة الإسلامية من خطر حقيقي ألا وهو جيوش المغول،
التي جاءت من شرق آسيا وكانت مثل الجراد الذي يلتهم الأخضر واليابس. بعد أن نجح القائد جانكيز خان في توحيد المغول والتتار تحت رايته.
من هم المغول؟
المغول والتتار قبائل همجية متوحشة لا يعرفون الحضارة و قيمة العلم،
سكنوا منذ القدم هضبة منغوليا وهما شعبان مختلفان بحضارة بدائية همجية،
فضل التتار أن يسكنوا جنول الهضبة جهة الصين،أما المغول فاختاروا شمالها جهة سيبيريا، فيما بعد وحدهم جانكيز خان وقادهم لغزو الصين ثم بلاد خوارزم وفارس وروسيا.
همج بلا هوية يحرقون تراث لا يقدر بثمن
بلغ من جهلهم وبطشهم أنهم خربوا المكتبات وأضرموا النيران في الشوارع وأتلفوا المعالم وضعوا الكتب في نهر دجلة،
فتحول ماؤه إلى اللون الأسود القاتم وقتلوا خليفة المسلمين المستعصم بالله وكل آل بيته.
بخلاف جهلهم المطبق لم يعرف المغول الشفقة والرحمة، بل كان القتل والذبح هو وسيلتهم للتنكيل بالضعفاء.
حال بلاد الشام أيام هجوم المغول
انشغل أغلب حكام المسلمين بجمع المال والصراع على السلطة بدلا من الوقوف في وجه المغول، بلاد الشام حكمها آنذاك الأيوبيين،
لكن ساد بينهم الشقاق وأعلن الناصر يوسف حاكم حلب ودمشق خضوعه للمغول، على الرغم من قوة دولته،
عموما ما باليد حيلة منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة،
إذا كانت الدنيا وزخرفها هي الشغل الشاغل للحاكم، وقتها سيكره الجهاد ويقمع من ينادي به بلغ به الصلف والغرور،
أن طرد الإمام العز بن عبدالسلام، هكذا أعلن الناصر يوسف الخنوع للمغول رغبة في البقاء على كرسي الحكم.
مصر وصراع المماليك

أما مصر فقد عانت من خلو سدة الحكم وتكالب أمراء المماليك على المال والرغبة في الحكم،
كل هذا ظهر جليا عقب وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، الذي تصدى للهجمات الصليبية ومات وهو يحاربهم،
مما دفع بزوجته شجر الدر إلى إخفاء نبأ وفاته، حتى لا تفتر عزيمة الجنود، بعده تولى ابنه توران شاه الحكم، لكنه قُتل وتولت شجر الدر حكم مصر.
شعب مصر عقب وفاة الصالح نجم الدين أيوب
لكي نعرف الحال لابد لنا من السؤال وخير مكان نحصل فيه على الإجابة هو الخان، حيث تلتقي جميع طوائف الشعب من تاجر وصانع ومملوك.
دعونا ندخل أبواب المحروسة ونقترب من السوق وأول حانوت على اليمين يخص الإسكافي مسعود بن مرزوق الذي ناهز الخمسين،
لكنه صباح هذا اليوم كان متعكر المزاج مهموم البال حزين.
لاحظ حاله مساعده علاء الدين والذي كان يكنس الحانوت ويلمع الجلود ويفصل بين ألوان قطع الجلود المتكومة ويحاول أن يرتبها ويهيأها من يدري ربما اشتراها زبون.
علاء الدين يستفسر عن سبب تعاسة مسعود

لاحظ علاء ما بمسعود من ارتباك،
فسأله: مابك يا عم مسعود، اعتدت أن تضحك وتطلق النكات لكن اليوم وكأنك في سبات،
تبدو للوهلة الأولى معي لكن النبيه الفطن يشعر أنك سارح في ملكوت.
تنهد مسعود بحسرة وقال: حزين يا علاء على تدهور حالي وضياع عيالي بالأمس القريب كنت ذا شان وشنشان ويشار إلى بالبنان،
لأني كنت ربيب القلعة وصانع أحذية السلطان نجم الدين وكان يمازحني دائما في الكلام،
لقد كان تواضعه معي يُشعرُني أنِّي ذا هيلمان وشنشان وها أنا ذا بعد بت بعد وفاته ندمان عاطل بلا كيان.
حاول علاء أن يطيب خاطره ويزيح عنه ما يكدر صفوه ويعكره،
مُطيبا فقال: من قال عنك أنك عاطل ندمان؟
أنت بلا فخر صانع أحذية السلطان، والكل يشهد بمهارتك ويكفي أن حانوتك لا يقصده إلا الأعيان.
هل السبب في حزن بن مرزوق هو عين الجارة أم برقوق؟
تعجب مسعود وقال: كان هذا في سالف العصر الأوان، كل هذا ذهب في خبر كان،
كان الأعيان يقصدون الدكان رغبة في سماع حكاوي السلطان أو معرفة أي فرمان،
أما وقد ذهب إلى خالقه انقطع الوصل وتفرق الخلان.
علاء الدين: لا لم ينقطع أبدا.
تعجب مسعود وقال على مضض: وكيف هذا هل سأذهب لصنع أحذية له في الآخرة؟
أنا منحوس يا علاء وأكاد أجزم أنني محسود حسدتني تلك الجارة أم برقوق،
فعيونها مثل الصقر تنظر من بين الشقوق مثل الحية كانت تشتاط غيظا وحقدا،
عندما كنت أتفاخر وأقول أنني كنت عائدا من قلعة الجبل
بعد لقاء السلطان الصالح وكان تردد من يومه مسعود اسم على مسمى هذا المرزوق.
علاء: وما دخل أم برقوق في وقف الحال وكساد بضاعة السوق،
ألا ترى أن شأنك شأن الجميع، يموت السلطان فيعم السكون خوفا من الحاكم الجديد.
أطرق مسعود رأسه: وقال لا بل هي عيون أم برقوق، بعد موت الملك الصالح،
حَسبتُ أني سأعود للنعمة و القرب من السلطان وخاصة عندما تولي ابنه توران شاه،
لكن سبحان مغير الأحوال وكأن النحس أقسم ألا يبرح الدكان، لم يلبث المسكين سوى فترة وجيزة وقتلته الحرباء واسعة الدهاء.
أمة لا تعرف الهزيمة وجلوس شجر الدر على كرسي العرش

تساءل علاء: أي حرباء تقصد يا عم مسعود؟
همس مسعود: اخفض صوتك إن للجدران آذان هذه الحرباء تنشر البصاصين وتتجسس على الشعب المسكين بعد أن تتابعت ضدها الثورات.
هنا همس علاء هو الآخر بعد أن ابتلع ريقه: هل تقصد السلطانة عصمت الدين شجر الدر؟
مسعود: ومن غيرها جلست على عرش مصر وكأننا عدمنا الرجال، ومن وقت جلوسها وقف الحال واختفى المال شهرين كاملين كما ترى يا علاء لم أصنع أي مركوب أو أرقع حذاء.
علاء الدين يدافع عن شجر الدر
فكر علاء قليلا وحك رأسه وقال: لكن دعنا لا ننكر أن للمرأة مآثر وأوقاف على وجوه البر كما أنها خيّرة ديِّنة وتدير شؤون البلاد بحزم وتغدق الأموال على العامة.
كما أنها نجحت كذلك في تصفية الوجود الصليبي وأسرت الملك لويس التاسع ملك فرنسا بدار ابن لقمان في مدينة المنصورة كالعبد الذليل.
واتفقت على إطلاق سراحه ومن معه من الأمراء الأسرى مقابل تسليم دمياط وأخلت سبيله، مقابل فدية كبيرة جاوزت الثمانمائة ألف دينار مع تعهد بعدم العودة لسواحل بلاد المسلمين،
لقد أسرت يا عم مسعود ملك فرنسا ومن معه ورفعت رأسنا وهزمت الحملة الصليبية السابعة وكأن الملك نجم الدين لم يفارق الحياة.
مسعود في حنق: دينة وتغدق الأموال، أأنت أبله أم أنك جبان، مازلت شابا يافعا متهورا لا تعي حقيقية الأمور.
شجر الدر تتخلص من توران شاه

استطرد مسعود: شجر الدر تبقى إمرأة وإن طارت في الهواء، أو وضعت عرش مصر على الماء، لا تنسى أن العز بن عبدالسلام قال لا يجوز أن تحكم إمرأة في بلاد الإسلام.
وأغلب أهل مصر يوافقونه وأولهم أنا حتى الخليفة العباسي المستعصم كتب من بغداد للإمام العز بن عبدالسلام،
” إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيِّر إليكم رجلا”.
علاء: ولم لا تبقى مادامت نجحت في احكام سيطرتها على العرش ونجحت في إخماد الثورات.
مسعود: ما هذا الكلام لا تنس أن تلك الداهية هي من
تسببت في قتل ابن الملك الصالح “توران شاه” بعد وفاة أبيه نجم الدين،
مع أن الصالح أحسن إليها وأعتقها وتزوجها وأنجب منها ابنه خليل،
لكنها كعادة الجواري تضمر الكره الدفين ولا تبالي بالإحسان،
ساءها أن يتولى توران شاه الحكم ويجلس على عرش مصر فاتفقت مع الأمير أقطاي على قتله.
يبدو أن طبع الجواري الخسيس لن يفارقها لأنه يجري في عروقها مجرى الدماء،
ولن تكف الحرباء عن صنع الدسائس إلى أن تلفظ آخر أنفاسها،
إن الأيوبيين بأسرهم يحتقرونها ويمقتونها بعد مقتل توران شاه.
ركب من الفرسان يبحث عن مسعود بن مرزوق
جذب مسعود مقعده وجلس على باب الدكان ينظر إلى القلعة ويمصمص شفتيه ويتذكر الأيام الخوالي وما آل حاله إليه،
وما هي إلى دقائق حتى أتى ركب من الفرسان الأشداء بزي عسكري يعلوه الوقار والبهاء.
شعر مسعود وقتها ببرودة طاغية وقشعريرة تسري في جسده
ونظر إلى علاء وجذبه نحوه وهمس في أذنه: صدق من قال أن الحيطان لها آذان،
تُرى هل سمعت الماكرة حديثنا فأرسلت لي من يقودني للسجن في التو والحال؟
ما سبب استدعاء أيبك لمسعود؟
ضحك علاء وقال: ما هذا الكلام؟ ولم اصفر وجهك؟ اعتدل وانظر ما يطلبه منك الفرسان.
حاول مسعود أن يتمالك زمام نفسه وابتسم للفرسان،
وقال لهم: مسعود بن مرزوق في خدمتكم أيها الفرسان كيف أخدمكم؟ لدي أرقى الأحذية من جلود طبيعية.
نظر إليه أحد الفرسان في حدة وقال له: الوزير أيبك يريدك على الفور، هيا لا تتلكأ وامضي معنا.
هنا تلعثم مسعود ولم يخرج منه الكلام وأصفر وجهه كلون المشمش ولطم على خديه،
ثم بلع ريقه بصعوبة بالغة وكأنه يساق إلى الموت،
وقال: اأااالاأاااممممميييييرر أأأأااييييييبكككك.
فهم علاء سبب خوف مسعود الفارس، فقال للفارس: وما الذي يحتاج إليه مولانا الأمير عز الدين أيبك من إسكافي بسيط مثل عم مسعود؟
لابد أن هناك لبس هل طلب منك أن تحضر مسعود بن مرزوق الاسكافي؟
هنا غضب الحارس وقال: يالكما من غبيان، برأيكما لم يطلب الأمير لقاء حقير مثله هل ليؤانسه؟
هنا قال علاء معذرة، لا تؤاخذه فهو متوعك منذ الصباح، لكنه أوشك على التعافي،
أستأذنكم في أن أحمل عنه حقيبة الجلود والمقصات وهو في طريقه للقاء الوزير أيبك.
فرد الحارس: أفعل ما تشاء لكن لا تتلكأ.
مسعود وعلاء في حضرة الوزير أيبك
هم علاء بغلق الدكان وحمل حقيبة العدة وركب البغلة مع سعيد.
عندما وصل الركب لباب القلعة الكبير نزل مسعود وعلاء وفتحت الأبواب، هنا وكز مسعود علاء وقال له إياك أن يتخطى نظرك شئ غير موضع قدميك.
إن أهل القلعة يمقتون من يختلس النظر في المكان لا تحسبن أن ارتياد القلعة مناسب للعوام،
ولكن ما باليد حيلة لولا هذا الاستدعاء الأغبر لما أحضرتك.
تقدم مسعود وخلفه علاء ودخلا إلى قاعة تطل على حديقة القلعة،
هناك كان الوزير أيبك على أحد المقاعد الوثيرة وحوله بعض أتباعه من المماليك وعلى يمينه قطز تقدم مسعود ببطء وقال: السمع والطاعة يا مولاي الوزير.
سأله أيبك: هل كنت تصنع أحذية نجم الدين؟
فأجابه مسعود وقد أحس بالإطمئان: لم يكن يعجب الملك الصالح سوى أحذيتي الفاخرة.
هز الأمير أيبك رأسه وقال له: وأنا أريد أحذية أكثر فخامة من تلك التي كنت تصنعها لنجم الدين.
فرح مسعود: بكل سرور يا مولاي سأزينها بالجواهر إن شئت.
صانع أحذية السلطان أيبك
أشار مسعود إلى علاء فأسرع بوضع حقيبة العدة أمام قدم أيبك، وأخذ سعيد يأخذ مقاس قدمه.
ناوله أيبك صرة كبيرة فتهلل وجهه و أيقن أن الوزير أيبك في طريقه للجلوس على عرش مصر .
عاد مسعود وعلاء إلى الدكان و قام مسعود بصناعة أحذية فخمة تليق بالسلطان الجديد.
واصل مسعود وعلاء الليل بالنهار لتجهيز أحذية السلطان.
عندما انتهى مسعود وضع الأحذية في الجوال وأوصى علاء بأن يخلد للنوم ويغلق الدكان وانطلق ناحية القلعة.
عندما وصل مسعود لاحظ أن العمل في القصر يجري على قدم وساق.
علم مسعود من الخدم أن شجر الدر ستتزوج أيبك وتتنازل له عن العرش.
لماذا اختارت شجر الدر الوزير أيبك؟
تعجب مسعود لأن أيبك مشهور باللين كما أنه متزوج بالفعل وأدرك أن شجر الدر اختارت أيبك وفضلته على الأمير أقطاي،
لتتمكن من إدارة البلاد في الخفاء فازداد كُرها لها وخاطب نفسه قائلا: هذه الحرباء تفوقت على إبليس في الدهاء.
معجزة بكل المقاييس: رحلة الإسراء والمعراج
زواج الوزير أيبك من شجر الدر
سلم مسعود الأحذية وغادر القلعة وما هي إلا ساعات، حتى عُلِّقت الزينة و انتشرت الرايات وأعلن المنادي، أن السلطانة شجر الدر ستتزوج من الأمير عز الدين أيبك .
وزع الحراس الطعام والمشروبات والحلويات على المارة وأصحاب الدكاكين وأخبروا الناس أن أيبك لقب نفسه بالملك المعز.
لكي يستحوذ على الملك دبر في الخفاء لقتل غريمه الذي يناصبه العداء الأمير فخر الدين أقطاي.هدأت الأحوال لكنها لم تستقر سوى شهور.
أمة لا تعرف الهزيمة ومقتل أيبك
في صبيحةأحد الأيام بينما مسعود يجلس أمام الدكان وعلاء مُنهمِك في تقطيع الجلود،
رأى مسعود المنادي قادما فنهض من مكانه ليسمع ما سيعلنه فأعلن المنادي عن وفاة الملك المعز أيبك.
عندما سمع مسعود الخبر المشؤوم قال لعلاء قتله الحرباء قتلته الحرباء: قتلته الداهيةشجرالمكائد،
خافت الحيزبون عندما علمت أنه تزوج من ابنه حاكم الموصل،
أو ربما أحست أنه يخطط لإعادتها إلى الحرملك مع الجواري هذه المرأة ستكون نهايتها مثل قرن الخروب.
هجوم جيوش المغول
لم يمض وقت طويل وإذا بعلاء وهو متوجه ناحية الدكان يرى أبي الطيب صاحب حانوت السِلال وهو يلطم ويولول
ويقول ” حل الخراب حل الخراب”.
فهرول إليه وتجمع الناس حوله وحسبوا أن أحدهم قد سرق الدكان وسأله علاء: ما بك يا أبا الطيب؟ هل سرق اللصوص الدكان؟
فأجابه:يا ليتهم سرقوه إن المصيبة فادحة.
فتعجب علاء وسأله: أية مصيبة؟
أبو الطيب: مصيبة اسمها المغول وأحفاد جنكيز خان، أما سمعت الأخبار،
لقد اجتاح المغول ديار المسلمين وخربوا بغداد وقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله وأحرقوا البلاد والعباد.
بلية لم تك في الحسبان

علا صوت مسعود هو الآخر وتجمع حوله أهل الخان.
وصاح بجزع: ليت أمي لم تلدني في هذا الزمان سمعت أنهم وضعوا كل الكتب في نهر دجلة فتحول لونه للسواد،
ويقال أنهم خنازير همج لا يرحمون ويقلعون الرؤوس ويأكلون الأخضر واليابس.
فتساءل علاء منفعلا: فما العمل يا عم مسعود؟
أجابه مسعود متحسرا: لنا الله لقد قتلوا الجميع حتى الخليفة وأهله أجمعين، ماهي إلا أيام وسيدخلون مصر ويذبحون أهل المحروسة وكأنهم دجاج.
قدم العطار عيسى الزين وقال: سمعت أنهم يقفون على أبواب البلاد ويطالبون أهلها بتسليم البلد فإن حاربوا قتلوهم وإن استسلموا ذبحوهم.
لطم مسعود وجهه وقال: ويحي يسمعت أن رسلهم في طريقهم برسالة من قائدهم العسكري “هولاكو” إلى سلطان مصر.
فتساءل عياش بن الدرامي: أي سلطان؟ أتقصد هذا الغلام نور الدين علي ابن أيبك؟
إن مصر بلا سلطان حقيقي بعد قتل أقطاي و أيبك و شجرالدر والمماليك متصارعين متناحرين كل يريد العرش والحكم.
فتكلم عيسى الزين وقال: لقد سمعت أن القائد قطز عزل علي وهو في طريقه لتولى الحكم،
كما تعلمون قطز قائد جيش محنك وعلمت أنه أصدر عفوا عاما عن جميع المماليك البحرية و قرر أن يتولى الحكم إلى أن يقضي على المغول،
ويسانده أحد أكبر قادة المماليك ألا وهو القائد بيبرس ونجح في ضم كل المماليك وحثهم على الجهاد فكون جيشا لا بأس به.
من هو القائد قطز؟
علاء الدين: القائد قطز، حدثني عنه يا عيسى وعن أصله وفصله دائما يتردد في الأسواق اسمه.
أجابه عيسى: هو محمود بن ممدود بن خوارزمشاه الشهير بسيف الدين قطز.
خاله هو السلطان جلال الدين خوارزم، الذي كان يحكم آسيا الوسطى وغرب إيران.
تم اختطافه على يد المغول وهو بعد طفل صغير وباعوه مع العبيد في أحد أسواق بلاد الشام، اشتراه الأمير المملوكي عز الدين أيبك وأحسن إليه وأمر بتعليمه اللغة العربية والقرآن الكريم والفقه الإسلامي،
ليس هذا فحسب بل تدرب على استخدام السيف والرمح وكافة فنون الحرب وأظهر مهارة في تعلم الفروسية، وأصبح فارسا لا يشق له غبار،
وعندما اعتلى أيبك عرش الحكم في الدولة المملوكية أصبح قطز يد السلطان أيبك اليمنى وقائد الجيش.
أمة لا تعرف الهزيمة وقطز يجلس على عرش مصر
هنا قال علاء سأذهب للجامع لأسمع ما يقوله الإمام العز بن عبدالسلام فانضم له عياش وعيس وأبو الطيب وبعض الناس.
وبعد قليل عاد علاء مبتسما متحمسا هو ومن معه فسأله مسعود: ما سبب تلك السعادة هل من جديد هل عفى عنا جنود المغول؟
أجابه علاء: لقد جلس الأمير قطز على العرش وبايعه العز بن عبدالسلام والقائد بيبرس وكل المماليك العائدين من الشام،
وأشار بيبرس على قطز أن يقتل رسل هولاكو الأربعة ويعلق رؤوسهم على باب زويلة.
مسعود: ويحي لماذا قتلهم، إن هذا يعني الحرب.
نص رسالة هولاكو
علاء: يستحقون القتل بسبب الرسالة المملؤة بالتعالي والعجرفة،
لقد جاء في الرسالة: “إن الله تعالى قد رفع شأن جنكيز خان وأسرته ومنحنا ممالك الأرض برمتها،
وكل من يتمرد علينا ويعصـي أمرنا يقضى عليه مع نسائه وأبنائه وأقاربه والمتصلين به وبلاده ورعاياه، كما بلغ ذلك أسماع الجميع،
أما صيت جيشنا الذي لا حصر له، فقد بلغ الشهرة كقصة رستم وإسفنديار،
فإذا كنت مطيعا كخدم حضرتنا فأرسل إلينا الجزية وأقدم بنفسك واطلب الشحنة، وإلا فكن مستعدا للقتال”.
أمة لا تعرف الهزيمة لكن مسعود يخشى الجهاد
انفعل مسعود وقال: لا قِبَل لنا بالتتار و”كاتبغا” أنهم غِلاظ
شِداد، ثم أنهم قتلوا خليفة بغداد ونحن هنا في مصر ما لنا ولهم، فليتغمدهم الله بواسع رحمته وليلتفت قطز لحال مصر لينجو بأهلها.
استنكر عيس مقالته: وقال ” مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض”، إنها ديار المسلمين وجميعنا إخوة في الدين قبلة واحدة ورب واحد وقرآن واحد.
ضحك مسعود وقال: آيات الجهاد نزلت أيام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تنطبق فقط على زمن الصحابة، ونحن كما تعلمون على أعتاب رمضان وهو موسم لدى التجار.
حينها قال أبوالطيب: ويحك يا مسعود قال الله فينا “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا كالجسد الواحد.
هنا صاح مسعود: تمهل يا أبا الطيب ولا تأخذك حماسة الشباب نحن مجرد حرفيين وتجار لم نألف الحرب ولم نتدرب على القتال، إن أغلبنا ناهز الخمسين، فليذهب الشباب والمماليك للجهاد ونبقى نحن لنراعي التجارة ويزدهر الاقتصاد.
رد عليه علاء: العز بن عبدالسلام أعلن يا رجال أن الجهاد فرض عين على الجميع إذا استبيحت ديار الإسلام،
وهاهم قتلوا الأطفال وذبحوا الرجال والنساء لا خير فينا إن لم نخرج غضبا لما حدث لهم ونثأر لدمائهم.
قال عيسى: صدقت يا علاء لن نتخاذل وسنخرج للجهاد .
سيف الدين قطز يحث المماليك على الجهاد وبذل المال
أما سيف الدين قطز فلقد خطب في أمراء المماليك العائدين وقال : يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزو كارهون وعلى حب الدنيا وزخرفها مقبلون،
أنا متوجه لألقى المغول بنفسي، فمن اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختر فليرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين”.
أهل مصر يقفون بجانب قطز

تشاور التجار و أصحاب الدكاكين والحرفيين وقالوا: لقد باع قظز كل ما يملكه لتجهيز الجيش وكذلك كل أمراء المماليك، حتى حلي نساءهم،
لن نقف مكتوفي الأيدي ونجلس بالبيوت وهم يدافعون عن الدين والبلاد، أنت أصغرنا لكنك نطقت بالحق يا علاء،
هلموا بنا لننصر ديننا ونضع حدا للطغاة المعتدين ونساند المماليك.
بالفعل انضم جميع أهل مصر من التجار والفلاحين وأصحاب الدكاكين وأرباب الحرف ومن ضمنهم مسعود وعلاء للجيش تحت قيادة سيف الدين قطز.
هزيمة المغول على يد أمة لا تعرف الهزيمة

أصلح قطز الحال وأشرف بنفسه على تدريب المتطوعين وسار بهم في رمضان حتى وصل إلى سهل عين جالوت الواقع بين مدينة بيسان ونابلس في فلسطين.
اشتد القتال في ال25 من رمضان وسمع مسعود ومن معه سيف الدين قطز وهو يُردد ” وا إسلاماه” فرددها مسعود وشهاب وجموع المجاهدين.
وكانت الغلبة للجيش الإسلامي وأبيد جيش المغول التتاري بأكمله وفر هولاكو ومن معه خائبين رود الله كيدهم إلى نحورهم ورفعت أمة الإسلام رأسها وغدت بفضل الله أمة لا تعرف الهزيمة .
عاد علاء ومسعود مع الجيش في عيد الفطر وكان مسعود يمازح شهاب دائما بقوله: علمتك صنع الأحذية فعلمتني أن أكون فارسا ورجلا يا غلام.
في الختام

نحن حقا أمة لا تعرف الهزيمة، لقد انتصر المسلمون على عدو همجي غاشم لا يعرف الرحمة بفضل التضحية والبذل والرغبة في نصرة الإسلام والمستضعفين،
العدة والعتاد أمر ضروري ولازم لمواجهة العدو وإذا اجتمع الإخلاص فإن النصر مضمون.
دمتم بكل ود.
أسماء خشبة
يمكنكم متابعة قناتنا على تطبيق الواتس من هنا
تابعونا على صفحتنا في فيسبوك من هنا
كاتبه رائعه 💕💕