زهره حبيب
في قريةٍ هادئةٍ تحيط بها التلال والأشجار والغيوم الرمادية، كان هناك منزل قديم مهجور يقف عند طرف الطريق، على تلة صغيرة تُسمى “تلة الصمت”.تغطيه الأعشاب وتزحف عليه الأغصان.
كان سكان القرية يعتقدون، بأن المنزل فارغ، بعد أن هجرها مدرس قديم كان يسكنه سابقاً.

ولم يعد أحد يقترب من البيت لفترة طويلة.
كان الأطفال في القرية يمرون بجانبه مسرعين، يهمسون:
“في الليل، تُرى فيه ظلال تتحرك!”
“ويُسمع منه صوت ناي حزين!”
الدخول الى المنزل المهجور
لكن مجموعة من الأطفال الأذكياء والشجعان، وهم: لينا، يوسف، سارة، وعلي، كانوا يحبون المغامرات والقصص الغامضة. قرروا في أحد أيام العطلة أن يكتشفوا سرّ هذا المنزل بأنفسهم.
لينا، يوسف، سارة، وعلي لم يكونوا ككل الأطفال. كانوا يحبون الألغاز والمغامرات، وكلما ازداد الحديث عن المنزل، ازداد فضولهم.
قالت لينا ذات يوم:
“ماذا لو كان هناك أشباح؟ أو شيئاً آخر؟”

فقرروا أن يذهبوا بعد العصر، عندما تبدأ الشمس في الاختباء خلف الأشجار.
قال يوسف وهو يضع يده على مقبض الباب القديم:
“هل أنتم مستعدون؟”
ردت سارة بحماس:
“طبعاً! ربما لا يكون فيه شيء مخيف كما يظن الجميع!”
صرير الباب اخترق الصمت. كانت الأرضيات مغطاة بالتراب وتصدر صوت صرير خفيف، والغبار يملأ الهواء.
لكن على الأرض كانت هناك آثار أقدام حديثة!
المفاجأة لم تكن في الغبار و الأثاث القديم، بل في صوت خطوات خفيفة تأتي من الطابق العلوي.

اقرأ ايضا: قصة أبطال لا يُقهرون
سر البيت المهجور
قال علي:
“انظروا! ليس هذا المكان مهجوراً كما نظن.”
تبِعوا الآثار حتى الطابق العلوي، صعدوا الدرج ببطء، حيث وجدوا غرفة مضاءة بضوء خافت يتسرّب من نافذة مغطاة بقماش.
وفجأة، سمعوا صوت نايٍ حزين يعزف من خلف الباب المغلق.
حتى فتح علي باب غرفة هناك… ليجدوا رجلاً مسناً جالساً بجانب مدفأة صغيرة مشتعلة!
فتحوا الباب ببطء… وظهر أمامهم رجل مسن ذو لحية بيضاء وعينين زرقاوين لامعتين. كان يجلس أمام مدفأة صغيرة ويعزف على ناي خشبي قديم.
تجمد الأطفال في أماكنهم، لكن الرجل نظر إليهم وابتسم بلطف.
قال: “مرحباً يا صغار، لم أتوقع زواراً اليوم.”

العم سامي والاطفال الصغار
ترددت سارة، لكن لينا تقدمت ودخلت الغرفة.
سألته لينا بتردد:
“من أنت؟ ولماذا تعيش هنا وحدك؟”
نظر إليهم بابتسامة دافئة وقال:
“كنتم شجعاناً… لم يجرؤ أحد على الدخول منذ سنوات.”
سأله يوسف:
“من أنت؟ ولماذا تعيش هنا وحدك؟ وما هذه الموسيقى الغريبة؟”
تنهد الرجل وقال:
“اسمي العم سامي. كنت مدرساً في هذه القرية قبل سنوات طويلة. لكن بعد أن فقدت زوجتي، شعرت بالحزن الشديد، وقررت أن أعيش في هذا المكان بهدوء بعيداً عن الجميع.”
قالت سارة بحزن:
“لكن لماذا لم تخبر أحداً؟ الجميع يظن أن لا أحد يسكن هذا المكان!”
أجاب الرجل بصوت عميق:
” كنت أعزف هذا الناي لزوجتي الراحلة كل مساء… وبعد رحيلها، ظللت أعزف لها، لعلّ روحها تسمعني.”
سألت سارة بخفوت:
“وهل تسمعك؟”
ابتسم وقال:
“ربما… أحياناً أشعر بوجودها.”
ابتسم العم سامي وقال:
“أحياناً نحتاج فقط لمن يسمعنا. شكراً لكم لأنكم تجرأتم ودخلتم.”
سأل يوسف باستغراب:
“لكن… ألم تحاول القرية مساعدتك؟ ألم يكن لديك طلاب يحبونك؟”
نظر العم سامي إلى النافذة، وعيناه تلمعان بالحزن وقال:
“كنت مدرساً محبوباً، وكان لدي طلاب رائعون… لكن بعد وفاة زوجتي، انسحبت من العالم فجأة. لم أعد أفتح الباب، لم أجب على الرسائل، ورفضت أي زيارة.”
قالت سارة:
“لكنهم كانوا يستطيعون الإصرار! لم ينسوك، أليس كذلك؟”
أجاب العم سامي بصوت منخفض:
“بعضهم حاول، لكنني كنت قد بنيت جداراً كبيراً بيني وبين العالم… جداراً من الحزن والصمت.
ومع مرور الوقت، بدأ الناس يظنون أنني غادرت القرية، أو ربما… لم أعد أرغب فيهم. حتى تلاشى اسمي من الذاكرة، وبقيت أنا والناي والذكريات.”
ثم أضاف بابتسامة خفيفة وهو ينظر إليهم:
“لكن يبدو أن أربعة قلوب صغيرة كانت كافية لهدم ذلك الجدار.”
اقرأ ايضا: قصة ليلى والولد غير المرئي
اختفاء العم سامي من القرية
سأله علي باستغراب:
“لكن… إذا كنت تعيش هنا طوال هذه السنوات، كيف لم يرك أحد؟ كيف تأكل؟ وكيف اعتقد الجميع أن هذا المنزل مهجور؟”
ضحك العم سامي ضحكة هادئة وقال:
“كنت أخرج فقط ليلاً، قبل الفجر، أذهب إلى دكان صغير في قرية مجاورة على الدراجة الهوائية. لم أكن أريد أن يراني أحد.
كنت أضع القبعة وأسير بسرعة. ومع مرور السنوات، لم يعد أحد يلاحظني… حتى صاحب الدكان ظنّ أنني مسافر يمر من حين لآخر.”
ثم أضاف:
“العزلة تجعل الإنسان يختفي حتى وهو موجود… تصبح مثل الظل.”
نظرت لينا إلى أصدقائها وقالت همساً:
“لكننا رأيناه بقلوبنا، لا بأعيننا فقط.”
ومن ذلك اليوم، أصبح الأطفال يزورون العم سامي كل أسبوع.
بدأ الأطفال يزورونه باستمرار، وشيئاً فشيئاً، تغيرت القرية.

عودة العم سامي إلى الحياة
في اليوم التالي، عاد الأطفال ومعهم أدوات التنظيف. بدأوا بمسح الأرض، وفتحوا النوافذ ليدخل الضوء، وعلّقوا رسومات ملونة على الجدران. كانوا يضحكون ويغنون، والعم سامي يراقبهم بعينين دامعتين.
وفي كل أسبوع، كانوا يزورونه، يعزفون الموسيقى معه، يقرأون الكتب، ويتعلمون منه.
وبعد أسابيع قليلة، خرج العم سامي لأول مرة إلى ساحة القرية، يمشي ببطء وبيده الناي، بينما كان أهل القرية ينظرون إليه بدهشة. ثم بدأ الأطفال يصفقون، وتبعهم الجميع.

عاد العم سامي إلى الحياة… ليس كمدرس فقط، بل كجدّ حكيم وحنون يحبه الجميع.
لم يعد المنزل مكاناً مخيفاً، بل أصبح مكاناً لحكايات العم سامي، ونايه الذي لم يعد حزيناً… بل أصبح يعزف لحناً مليئاً بالدفء والأمل.
يقرأ لهم القصص، ويحكي لهم عن الماضي، ويعلمهم أشياء كثيرة. و بفضلهم، خرج العم سامي من عزلته، وأصبح محبوباً من الجميع في القرية.
أما المنزل المهجور؟ فقد أصبح منزلاً دافئاً يمتلئ بالضحك والذكريات الجميلة.
النهاية
العبرة من القصة:
- الشجاعة هي أن تقترب ممن يحتاجك، حتى إن بدا غريباً.
- الاهتمام الصغير يمكن أن يحيي قلباً حزيناً.
- كل شخص لديه قصة… استمع، لا تحكم بسرعة.

يمكنكم متابعة قناتنا على تطبيق الواتس من هنا
تابعونا على صفحتنا في فيسبوك من هنا