الجزء الثاني
زهره حبيب
بعد أن عاد موسى إلى أمه لترضعه، كبر قليلاً بين أحضانها، وكان يشعر بالدفء والحب. لكن كان عليه أن يعود إلى القصر ليعيش هناك كما أمرت آسية.
قالت أم موسى بحزن وهي تودعه: “اذهب يا صغيري، ولكن اعلم أن الله معك دائماً.”
وصل موسى إلى القصر، وكان المكان كبيراً جداً، مليئاً بالخدم والحراس، لكنه لم يكن خائفاً، بل كان طفلاً مرحاً ومليئاً بالطاقة.
نظرت آسية بحب قائلة: “موسى الصغير، هذا بيتك الجديد! ستعيش هنا مثل الأمراء.”
ارتاح موسى لآسية ورأى فيها أمه التي كان يفتقدها.

موسى والملك فرعون
كان فرعون يرى موسى يكبر يوماً بعد يوم، وكان يشعر ببعض القلق، لكنه كان يخفي ذلك. وفي أحد الأيام، بينما كان موسى يلعب، جلس فرعون على عرشه يراقبه.
نظر اليه فرعون متظاهراً بالاهتمام: “تعال يا موسى، اجلس بجانبي.”
قال موسى بسعادة: “هل تريد أن نلعب معاً؟”
ضحك فرعون ضحكة ساخرة: “أنا الملك! لا ألعب، بل أحكم هذا القصر وكل البلاد!”
رد موسى ببراءة الأطفال: “ولكن الملك العادل يجب أن يكون قريباً من شعبه!”
استغرب فرعون وقال مندهشاً: “همم… ومن علمك هذا؟”
ابتسم موسى وقال: “لا أعرف، لكني أشعر أن الحكم يجب أن يكون بالعدل والرحمة!”
شعر فرعون بالضيق من كلام الصغير، لكنه لم يكن يدرك أن هذا الطفل سيكون يوماً ما سبباً في زوال ملكه!
اقرأ ايضا: موسى وأمواج الأمان النبي الذي تحدى فرعون
النبي موسى ومعاناة قومه
كبر موسى في القصر، وكان قوياً، ذكياً، وعادلاً. لكنه كان يلاحظ أن أهل القصر يعيشون في رفاهية وغنى، بينما بني إسرائيل يعانون من الظلم.
في أحد الأيام، رأى جندياً من رجال فرعون يضرب رجلًا ضعيفاً من بني إسرائيل.
قال موسى بغضب: “توقف! لا يجوز أن تضربه بهذه الطريقة!”
رد الجندي ساخراً من موسى: “ومن أنت حتى تأمرني؟”
قال موسى بحزم: “أنا شخص لا يحب الظلم!”
لم يكن يعلم موسى أن هذه الحادثة ستكون بداية تغيّر حياته بالكامل، حيث بدأ يشعر أن مكانه ليس في القصر، بل مع المظلومين.

موسى.. من القصر إلى الرحيل الكبير
كان موسى يشعر أن هناك شيئاً ناقصاً في حياته. كان يرى كيف يُظلم بني إسرائيل ويُعاملون بقسوة، وداخله إحساس بأنه مختلف عن أهل القصر.
حادثة غيّرت كل شيء!
في أحد الأيام، كان موسى يمشي في شوارع المدينة، فسمع صرخة رجل من بني إسرائيل، كان أحد جنود فرعون يضربه بقسوة!
قال الرجل المظلوم متوسلاً: “أرجوك، لا تضربني! لم أفعل شيئًا!”
صرخ الجندي: “اصمت، أيها العبد!”
غضب موسى من هذا الظلم وقال: “أتركه وشأنه!”
كان نفس الشخص المظلوم الذي نصرهُ موسى سابقاً، فلم يتمالك موسى نفسه، ودفع الجندي بقوة، لكنه لم يكن يعلم أن الضربة كانت قوية جداً، لدرجة أن الجندي سقط بلا حراك!
قال موسى وهو مصدوم: “يا إلهي! لم أقصد أن أؤذيه لهذه الدرجة!”
خاف موسى كثيراً من غضب فرعون، وبدأ الناس يتهامسون عن الحادثة، فقرر الهروب بعيداً قبل أن يعرف فرعون بالأمر.

الهروب من مصر
لم يكن أمام موسى خيار سوى مغادرة المدينة، فمشى طويلاً في الصحراء الحارقة حتى وصل إلى مدين، وهناك وجد بئر ماء، حيث كانت هناك فتاتان تقفان بعيداً و تحاولان سقي أغنامهما .
اقترب موسى وقال بلطف: “لماذا لا تسقيان غنمكما؟”
ردت الفتاتان بخجل: “الرعاة لا يسمحون لنا حتى ينتهوا أولًا.”
قال موسى: “هذا ليس عدلًا!”
ساعد موسى الفتاتين، وسقى لهما الغنم، ثم جلس تحت ظل شجرة متعباً وجائعاً.
اقرأ ايضاً: قصة اسماعيل الذبيح الصابر الذ انقذه الله

لقاء النبي شعيب
عادت الفتاتان إلى أبيهما النبي شعيب وأخبرتاه بما حدث معهما قرب البئر، فأرسل في طلب موسى.
قال النبي شعيب بلطف: “تعال يا بني، تبدو متعباً، اجلس واسترح.”
قص موسى قصته، وعرف شعيب أنه شاب صالح وقوي، وقال له لا تخف نجوت من القوم الظالمين، وقرر أن يزوجه إحدى ابنتيه بشرط أن يعمل عنده عدة سنوات.
اقرح عليه النبي شعيب قائلاً: “ما رأيك أن تتزوج ابنتي وتعمل عندي؟”
فرح موسى وقال بسعادة: “هذا شرف لي!”
وهكذا، بدأ موسى حياة جديدة بعيداً عن مصر، لكنه لم يكن يعلم أن رحلته الحقيقية لم تبدأ بعد!
نهاية الجزء الثاني
العبرة من القصة:
العدل والرحمة أساس القيادة الحقيقية.
الله يحفظ عباده حتى في أحلك الظروف.
أحياناً، المكان الذي نكبر فيه ليس هو المكان الذي ننتمي إليه حقاً.

يمكنكم متابعة قناتنا على تطبيق الواتس من هنا
تابعونا على صفحتنا في فيسبوك من هنا